الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَتَرَى الشمس إِذَا طَلَعَت} أي ترى أيها المخاطب الشمس عند طلوعها تميل على كهفهم. والمعنى: أنك لو رأيتهم لرأيتهم كذلك. لا أن المخاطب رآهم بالفعل، كما يدل لهذا المعنى قوله تعالى: {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف: 18] الآية والخطاب بمثل هذا مشهور في لغة العرب التي نزل بها هذا القرآن العظيم. وأصل مادة التزاور: الميل، فمعنى تزاور: تميل. والزور: الميل، ومنه شهادة الزور، لأنها ميل عن الحق. ومنه الزيادة، لأن الزائر يميل إلى المزور. ومن هذا المعنى قوله عنترة في معلقته:
وقول عمر بن أبي ربيعة: وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {ذات اليمين} أي جهة اليمين، وحقيقتها الجهة المسماة باليمين. وقال أبو حيان في البحر: وذات اليمين: جهة يمين الكهف، وحقيقتها الجهة المسماة باليمين، يعني يمين الداخل إلى الكهف، أو يمين الفتية اهـ. وهو منصوب على الظرف.وقوله تعالى: {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ}.من القرض بمعنى القطيعة والصرم. أي تقطعهم وتتجافى عنهم ولا تقربهم. وهذا المعنى معروف في كلام العرب. ومنه قول غيلان ذي الرمة: فقوله: يقرضن أفواز مشرف أي يقطعنها ويبعدنها ناحية الشمال وعن أيمانهن الفوارس، وهو موضع أو رمال الدهناء. والأقواز: جمع قوز- بالفتح- وهو العالي من الرمل كأنه جبل. ويروى أجواز مشرف- جمع جوز. نم المجاز بمعنى الطريق. وهذا الذي ذكرنا هو الصواب في معنى قوله تعالى: {تَّقْرِضُهُمْ} خلافًا لمن زعم أن معنى تقرضهم: تقطعهم من ضوئها شيئًا ثم يزول سريعًا كالقرض يسترد. ومراد قائل هذا القول- أن الشمس تميل عنهم بالغداة، وتصيبهم بالعشي إصابة خفيفة، بقدر ما يطيب لهم هواء المكان ولا يتعفن.قال أبو حيان في البحر: ولو كان من القرض الذي يعطى ثم يسترد لكان الفعل رباعيًان فتكون التاء في قوله: {تقرضهم} مضمومة، لكن دل فتح التاء من قوله: {تقرضهم} على أنه من القرض بمعنى القطع، أي تقطع لهم من ضوئها شيئًا، وقد علمت أن الصواب القول الأول. وقد قدمنا أن الفجوة: المتسع.وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ} فيه ثلاث قراءات سبعيات:قرأه ابن عامر الشامي {تزور} بإسكان الزاي وإسقاط الألف وتشديد الراء. على وزن تحمر، وهو على هذه القراءة من الأزورار بمعنى الميل. كقول عنترة المتقدم: البيت... وقرأه الكوفيون وهم عاصم وحمزة والكسائي بالزاي المخففة بعدها ألف. وعلى هذه القراءة فأصله تتزاور فحذفت منه إحدى التاءين. على حد قوله في الخلاصة: وقرأه نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري {تزاور} بتشديد الزاي بعدها ألف، وأصله تتزاور أدغمت التاء في الزاي. وعلى هاتين القراءتين: أعني قراءة حذف إحدى التاءين، وقراءة إدغامها في الزاي فهم من التزاور بمعنى الميل أيضًا. وقد يأتي التفاعل بمعنى مجرد الفعل كما هنا، وكقولهم: سافر وعاقب وعافى.وعلى قول من قال: إن في الكهف حواجز طبيعية تمنع من دخول الشمس بحسب وضع الكهف فالإشارة في قوله: {الك مِنْ آيَاتِ الله} راجعة إلى ما ذكر من حديثهم.أي ذلك المذكور إلى هدايتهم إلى التوحيد وإخراجهم من بين عبدة الأوثان، وإيوائهم إلى ذلك الكهف، وحمايتهم من عدوهم إلى آخر حديثهم- من آيات الله. وأصل الاية عند المحققين أيية بثلاث فتحات، أبدلت فيه الياء الأولى ألفًا. والغالب في مثل ذلك أنه إذا اجتمع موجبا إعلال في الأخير. لأن التغيير عادة أكثر في الأواخر، كما في طوى ونوى، ونحو ذلك. وهنا أعلى الأول على خلاف الأغلب، كما أشار له في الخلاصة بقوله: والآية تطلق في اللغة العربية إطلاقين. وتطلق في القرآن العظيم إطلاقين أيضًا. أما إطلاقاها في اللغة الأول منهما- أنها تطلق بمعنى العلامة، وهو الإطلاق المشهور، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت} [البقرة: 248] الآية، وقول عمر بن أبي ربيعة: يعني أن قولها ذلك هو العلامة بينها وبين رسوله إليها المذكور في قوله قبله: وقد جاء في شعر نابغة ذبيان وهو جاهلي تفسير الآية بالعلامة في قوله: ثم بين مراده بالآيات علامات الدار بقوله بعده: وأما الثاني منهما- فهو إطلاق الآية بمعنى الجماعة، يقولون: جاء القوم بآيتهم، أي بجماعتهم. ومنه قول برج بن مسهر أو غيره: فقوله: {بآياتنا} أي بجماعتنا.وإما إطلاقها في القرآن فالأول منهما- إطلاقها على الآية الكونية القدرية، كقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب} [آل عمران: 190] أي علامات كونية قدرية في القرآن من الآية بمعنى العلامة لغة.وأما إطلاقها الثاني في القرآن فهو إطلاقها على الآية الشرعية الدينية، كقوله: {رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ الله} [الطلاق: 11] الآية ونحوها من الآيات.والآية الشرعية الدينية قيل: هي من الآية بمعنى العلامة لغة، لأنها علامات على صدق من جاء بها. أو أن فيها علامات على ابتدائها وانتهائها.وقيل: من الآية. بمعنى الجماعة، لاشتمال الآية الشرعية الدينية على طائفة وجماعة من كلمات القرآن.قوله تعالى: {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا}.بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الهدى والإضلال بيده وحده جل وعلا، فمن هداه فلا مضل له، ومن أضله فلا هادي له.وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة جدًا، كقوله تعالى: {وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: 97] الآية، وقوله: {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدي وَمَن يُضْلِلْ فأولئك هُمُ الخاسرون} [الأعراف: 178]، وقوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص: 56] الآية، وقوله: {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئًا} [المائدة: 41] الآية، وقوله: {إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} [النحل: 37]، وقوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السماء} [الأنعام: 125] والآيات بمثل هذا كثيرة جدًا.ويؤخذ هذه الآيات وأمثالها في القرآن- بطلان مذهب القدرية: أن العبد مستقل بعمله من خير أو شر، وأن ذلك ليس بمشيئة الله بل بمشيئة العبد، سبحانه جل وعلا عن أن يقع في ملكه شيء بدون مشيئته! وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا! وسيأتي بسط هذا المبحث إن شاء الله تعالى.وقد أوضحناه أيضًا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة: الشمس في الكلام على قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] وقوله: {فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} أي لن يكون بينه وبينه سبب للمولاة يرشده إلى الصواب والهدى، أي لن يكون ذلك- لأن من أضله الله فل هادي له، وقوله: {فَهُوَ المهتد} قرأه بإثبات الياء في الوصل دون الوقف نافع وأبو عمرو. وبقية السبعة قرؤوه بحذف الياء في الحالين. اهـ.
|